أيها المسلمون
إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب إلا طاعته، وسننه _سبحانه_ في المعرضين عن طاعته معروفة ومطردة، قال _تعالى_: "وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" (القمر:51)، وقال _سبحانه_: "أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ" (القمر:43)،
فما أهون الخلق على الله - عز وجل-إذا بارزوه بالمعصية. عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص فٌرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض. فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله - عز وجل -إذا أضاعوا أمره: بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.
أيها المسلمون:
إن الأمة تمر بنازلة عظيمة وأيام عصيبة، فهي على ضعفها وذلها ومهانتها، قد سلط الله _سبحانه_ عليها أعداءها من اليهود والصليبيين والمنافقين وأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم وطائراتهم وأساطيلهم. فهم من كل حدب ينسلون، وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم يريدونها في دينها وثرواتها وتمزيق ما بقي من وحدتها "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (يوسف: من الآية21)، "وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (آل عمران: من الآية117).
وإن الناظر إلى هذه الأحداث الجسيمة والنوازل العظيمة التي أحاطت بالمسلمين اليوم لا يستغرب حدوثها ولا يفاجأ بها حينما يعتصم بكتاب الله - عز وجل -وينطلق من توجيهاته في ضوء سنن الله - عز وجل -التي لا تتبدل؛ والتي أشرنا إلى بعضها فيما سبق. ويكفي أن ننظر إلى أحوالنا ومدى قربها وبعدها عن الله - عز وجل -لندرك أن سنة الله - عز وجل -في من أعرض عن طاعته وأمره قد انعقدت أسبابها علينا، إلا أن يرحمنا الله _عز وجل _، ويرزقنا التوبة والإنابة والاستكانة والتضرع إليه _سبحانه_.
إن الخطب جد خطير، وإن عقاب الله - عز وجل -لا يستدفع إلا بتوبة وإنابة، فالبدار البدار، فإن أسباب العقوبة قد انعقدت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولقد رفع الله - عز وجل -العذاب عن أمة رأت بوادره بتوبتها وإيمانها ورجوعها إلى طاعة الله - عز وجل - قال الله _تعالى_: "فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ" (يونس: 98).
إن أحوال الأمة وما حل فيه من معاصي الله _تعالى_ ومساخطه لتنذر بالخطر، فلقد ضل كثير من الناس عن أصل هذا الدين وأساسه المتين ألا وهو التوحيد والموالاة والمعاداة فيه، وأصبح الكفرة المحاربون يجوسون خلال الديار وتقدم لهم المعونات والتسهيلات لحرب المسلمين وأوذي أولياء الله ودعاته المصلحون مع أن في ذلك إيذاناً بالحرب من الله القوي العزيز، حيث جاء في الحديث القدسي "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" وضرب الشرك الأكبر من دعاء الأموات والسحر والشعوذة بأطنابه في أكثر بلاد المسلمين، وأبعد شرع الله _تعالى_ وحكمت قوانين البشر، وتساهل كثير من الناس بشأن الصلاة والزكاة وهما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ووقع بعض المسلمين في عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، وظلم العباد وفشا الربا الخبيث في معاملات كثيرة بين المسلمين، ووقع بعض المسلمين في تعاطي المسكرات والمخدرات، وكثر الغش في المعاملات، ووجد بين المسؤولين من يبخس الناس حقوقهم ويأكل أموالهم بالباطل و يتعاطى الرشوة والتي لعن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الساعي فيها ودافعها وآخذها _ وكثر الفجور في الخصومات والزور في الشهادات، وبعض النساء يتساهلن بالحجاب، ويتبرجن بزينة الثياب، وانتشر الزنا والخبث وكثرة وسائله الخبيثة الماكرة من قنوات ومجلات خليعة تدعو إلى الفاحشة وتحببها في النفوس وتزينها، وامتلأت بيوت المسلمين من الفضائيات التي تنشر العفن والفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.